مرّ عام منذ أن فقدت كارلا والدتها بمرض السرطان في الساعات الأولى من صباح 5 كانون الأول 2023. كان الحداد عبئًا ثقيلاً، لكنها تعلمت التعايش معه بمرور الوقت. لطالما تذكرت بشار، زميلها وصديقها المقرّب، الذي فقد والده بمضاعفات كورونا في 9 كانون الأول 2020. كان بشار، الذي اختبر الألم قبلها، يمتلك الشجاعة والحكمة ليرشدها خلال مراحل الحداد. وجوده كان ضرورة، خاصةً في اللحظات التي شعرت فيها كارلا بالضعف أمام مشاعرها الجارفة.
مع اقتراب كانون الأول هذا العام، شعرت كارلا برغبة في فعل شيء مميز، لتكريم ذكرى والدتها ووالد بشار. قررا أن يلتقيا بين 5 و9 كانون الأول، لاستذكار أحبائهم ودعم بعضهم البعض. خطرت في بالها فكرة كتابة رسالة لبشار، لكنها أرادت أن تكون الرسالة من والده، بالكلمات التي تتخيل أنه كان سيقولها لو كان حيًا. أمضت ساعات في الكتابة، تسكب مشاعرها في كل سطر لتجعل الرسالة صادقة وحقيقية. أرادت أن يشعر بشار وكأن والده يتحدث إليه مباشرة، معبرًا عن فخره بالحياة التي بناها رغم الألم.
في مساء 6 كانون الأول، التقيا في مكانهما المفضل. بعد طلب المشروبات، قدّمت كارلا الرسالة لبشار وأخبرته أنها من والده، بالكلمات التي تعتقد أنه كان سيقولها له. فتح بشار الظرف وبدأ يقرأ. الكلمات لامست أعماقه، وكأنه سمع صوت والده من جديد. عندما انتهى من القراءة، نظر إلى كارلا بعينين مملوءتين بالامتنان. شعر وكأن والده موجود معه، يسانده ويدعمه.
رفع الاثنان كؤوسهما، ليشربا نخب أحبائهم الذين فقدوهم، ونخب القوة التي وجدوها في بعضهم البعض. بالنسبة لبشار، كانت الرسالة تذكيرًا بأن الحداد، رغم ألمه، طريق يمكن اجتيازه مع من نحب.
خلال هذه التجربة، أدركت كارلا شيئًا جديدًا: الألم الذي عاشته يمكن أن يكون يومًا دليلاً لشخص آخر. تعلّمت من بشار كيف تحتضن مشاعرها دون أن تغرق فيها، وكيف تخطو خطواتها الأولى في الحداد. وهي اليوم مستعدة لأن تكون سندًا لشخص آخر يمر بنفس الطريق.
هذه القصة تسلّط الضوء على أهمية "المجتمعات المتعاطفة"، حيث يجد الأفراد الدعم والمساندة من محيطهم، من أصدقائهم وأحبائهم الذين يشاركونهم الحزن ويحملون معهم عبء الفقد. في مثل هذه المجتمعات، لا يواجه الناس الحداد بمفردهم، بل يجدون العزاء في روابطهم الإنسانية، في الكلمة الصادقة، وفي يد تمتدّ لترافقهم في أصعب اللحظات.
فقدان أحبائنا لا يعني غيابهم، فهم حاضرون في حياتنا اليومية، في الذكريات، وفي الحب الذي نشاركه مع الآخرين. الحداد جزء من الحياة، لكنه أيضًا دعوة للتكاتف وللتشبث بالأمل رغم كل شيء.