زينب

تداري القلوب وتداوي الجروح والألما

وتصب حنانها فيغدو الجرح ملتئما*

شعر أيمن طيارة

على الرغم من أنها في مقتبل العمر إلا أنها تبدأ بالتعريف عن نفسها بأنها “اختبرت الولادة واختبرت الموت” فتعطي زينب الاحساس  بأنها تعني حقاً ما تقول وأنها نوعاً فريداً من ملائكة الرحمة تتلألأ عينيها بنور غريب للحكمة.

 عملت بعد تخرجي كممرضة في مستشفى الجامعة الامريكية في قسم الولادة والنسائية لمدة سنتين اضطررت بعدها لترك العمل والسفر مع زوجي الى افريقيا حيث مكثت عاما ونصف عدت بعدها الى لبنان أبحث عن عمل.  ويشاء القدر ان  يضع “سند” في طريقها حيث كلما بحثت عن عمل على الانترنت يكون “سند” أول الاقتراحات في نتائج البحث وكأن المنظمة تفتح ذراعيها على وسعها بحماس لاستقبال زينب. دخلت الموقع الالكتروني بدافع الفضول وقدمت للوظيفة  وذهبت للمقابلة. وعلى الرغم من المكتب الصغير جداً  لهذه المنظمة غير الحكومية للرعاية التلطيفية في تلك الايام،  الا ان نوعاً من الراحة النفسية جعلها تفضّل “سند” على وظيفة أخرى كانت بين أيديها.

معظم الحالات التي نستقبلها هي حالات تحتضر وأعمل مع أسرة المريض أو المريضة على توفير الجو المناسب ليغادروا الحياة بهدوء ويتصالحوا مع أنفسهم والآخرين. أريح المريض من آلامٍ غير محتملة وأساعده على اغلاق ملفات عالقة في حياته كانت لم تغلق بعد. وبحكم طبيعتي المحبة للآخرين أحمل همّ مرضاي معي للبيت فهذا القرب منهم في آخر ايامهم يبني علاقة ورابطة فريدة تجعل من تلقي العزاء بهم في صميمه منطقياً، فأنا أتألم أيضاً لرحيلهم

عمل زينب ليس سهلاً، فهناك ساعات عمل متطلبة وهناك جانب نفسي لا يستهان به، الأمر الذي يحتّم ان تجد في نفسها القوة لكي تخرج بآلية تتصالح هي بها مع فكرة مغادرة المريض لهذا العالم:” أحب عملي بشدة فهو راقٍ ونبيل وهناك لحظات لا تقدّر بثمن ومحبة لا توصف. هناك لحظات تمر في ذاكرتي كالبرق حققت لي شعوراً لا يمكن اختصاره بكلمات فكل الكلام يصمت في حضرة هذه المواقف. كنت ممرضة لأكثر من 80 مريضاً على مدى ثلاثة أعوام ( حين حصول المقابلة منذ عام ونيف ) رحل بها مريض وهو ممسك بيدي انا فقط وقد كان رافضا لوجودي في باديء الأمر، وحملتُ مريضةً على ظهري لأصعد بها الدرج ونصل لبيتها الذي توسلت الي ان تراه وتبقى فيه ليوم واحد فقط. وكان لتدخين الأرجيلة على البحر مع مريضة كآخر طلب لها طعماً آخر وحمل في طياته من معاني السعادة والرضا لها ولي ما يكفيني دهراً. وأذكر أيضاً مزاحي وضحكي مع مريضة كانت تتلقى جرعةً عالية من المورفين لآلامها الشديدة وطلبت ان تدخن سيجارة فكانت جملة مني :” أيوه يا سيدي مين قدك مورفين وسيجارة مرة واحدة!!” كفيلة أن تنتزع ضحكة منها لازالت ترسم الابتسامة على شفتي

موتٌ يسيرٌ معه رحمة خيرٌ من الألم وطول البقاء، فما الحياة الحقيقية إلا باكتمال النهايات